يمثل مرسوم ترامب الأمني تحولا في معادلة التحالفات الإقليمية، إذ يضع قطر في موقع “الحليف المحمي” رسميا، وقد يقلص في الوقت نفسه من حرية إسرائيل في التحرك عسكريا ضدها، ما قد يعيد رسم حدود النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.
وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الأسبوع مرسوما تنفيذيا تتعهد من خلاله الولايات المتحدة بحماية أمن قطر، في أعقاب الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قادة حماس بالدوحة في أيلول/ سبتمبر الماضي 2025.
وتُعد هذه الخطوة، غير المسبوقة تجاه حليف عربي، مكسبا استراتيجيا ودبلوماسيا لقطر التي تلعب دور الوسيط الرئيسي في حرب غزة، كما تُفهم في الوقت نفسه كتوبيخ لإسرائيل. فماذا يعني التعهد الأمريكي لقطر والخليج من جهة؟ وماذا يعني لإسرائيل من جهة أخرى؟
بمَ وعد ترامب؟
ينص المرسوم على أن واشنطن “ستعتبر أي هجوم مسلح على… قطر تهديدا للسلم والأمن الأمريكيين”، وأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ستتخذ “كل الإجراءات القانونية والمناسبة” بما فيها التدابير العسكرية، في حال تعرض قطر لهجوم.
في هذا السياق يقول أندرياس كريغ، المحاضر في كلية كينغز بلندن، إن هذا التعهد “يجعل من أي هجوم على الدوحة مشكلة بالنسبة لواشنطن”. ويضيف كريغ: “هذا يعيد قدرا من الردع، لكنه في الوقت نفسه يترك للولايات المتحدة هامشا واسعا لتحديد كيفية الرد”.
ولكن إليزابيث دِنت، من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، لفتت إلى أن المراسيم التنفيذية، بخلاف المعاهدات التي يقرها مجلس الشيوخ، غير ملزمة قانونا ويمكن لأي إدارة أمريكية لاحقة إلغاؤها.
وتقول دِنت التي شغلت سابقا منصب مديرة سياسة الخليج والجزيرة العربية في الشرق الأوسط في مكتب وزير الدفاع الأمريكي: “رغم أن اللغة المستخدمة هنا أقوى بكثير مما رأيناه سابقا مع قطر (ومع معظم دول الشرق الأوسط بصراحة)… يظل المرسوم التنفيذي غير قابل للتنفيذ بشكل فعلي، وربما كُتب عمدا بصيغة مبهمة”.
ماذا يعني هذا لقطر وإسرائيل؟
تُعد الدوحة حليفا أساسيا لواشنطن وتستضيف قاعدة العديد العسكرية الأمريكية الأكبر في الشرق الأوسط. كما تربط قيادتها علاقات وثيقة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي زار الدولة الخليجية الغنية بالغاز في أيار/ مايو الماضي 2025.
ورغم ذلك، تعرضت قطر لهجومين في الفترة الأخيرة، الأول في حزيران/ يونيو 2025 عندما استهدفت إيران قاعدة العُديد، والثاني في أيلول/ سبتمبر 2025 بقصف إسرائيلي أسفر عن مقتل ستة أشخاص، بينهم رجل أمن قطري.
وأثار الهجوم الأخير غضبا واسعا في قطر وبين جيرانها الخليجيين، الذين يعتمدون إلى حد كبير على الولايات المتحدة لضمان أمنهم.
تقول دانيا ظافر، مديرة منتدى الخليج الدولي ومقره واشنطن، إن مرسوم ترامب يأتي “استجابة لمخاوف إقليمية متزايدة بشأن تراجع الوجود الأمني الأمريكي في المنطقة”.
ومن جهتها، وصفت دِنت القرار بأنه “انتصار دبلوماسي واستراتيجي كبير لقطر”، مشيرة إلى أنه يعكس أيضا “مدى تقدير الولايات المتحدة للدور القطري كوسيط دبلوماسي فاعل”.
ووُقّع المرسوم التنفيذي الإثنين، في اليوم نفسه الذي أجرى فيه ترامب مكالمة ثلاثية جمعته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، اعتذر خلالها نتنياهو عن الضربة وتعهد بعدم تكرار ذلك.
وعقب الاتصال، استأنفت قطر وساطتها في حرب غزة، بعدما كانت جمدتها عقب الهجوم الإسرائيلي، فيما أعلن ترامب عن خطة جديدة لغزة، تجري مناقشتها مع الوفد التفاوضي لحركة حماس في الدوحة.
وقالت دِنت إن الضمانات الأمنية الأمريكية تعزز “المكانة الفريدة لقطر في المنطقة”، في إشارة إلى توسطها مع خصوم واشنطن، لا سيما حماس، وإيران، وحكومة طالبان في أفغانستان.
أما بالنسبة لإسرائيل، التي نفذت ضربات في لبنان وإيران واليمن خلال حرب غزة، فيمثل هذا “خسارة رمزية واستراتيجية”، وفق دِنت، متسائلة “هل كان ترامب ليطالب باعتذار بهذا المستوى من الخنوع لو أن الضربة نجحت في القضاء على أهدافها؟”.
ويتوقع كريغ بأن أي هجوم إسرائيلي مستقبلي على قطر “سيحمل خطرا أكبر برد أمريكي جاد”.
سباق خليجي نحو الأمن
في عهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، عرضت الولايات المتحدة على السعودية حزمة أمنية مقابل تطبيع للعلاقات مع إسرائيل. لكن المفاوضات توقفت في الأيام الأولى من حرب غزة التي اندلعت بعد هجوم غير مسبوق شنته حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وبعد عامين، انتقلت السعودية إلى تنويع خياراتها الأمنية، فوقعت الرياض في أيلول/ سبتمبر اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان التي تمتلك سلاحا نوويا.
أما الإمارات، الحليف الثري الآخر للولايات المتحدة في الخليج، فاتخذت خطوة كبيرة حين طبعت علاقاتها مع إسرائيل في عام 2020، خلال فترة ولاية ترامب الأولى.
لكنها رغم ذلك لا تحظى بضمانات أمنية على غرار قطر، كما لم تكتمل بعد صفقة طائرات “إف-35” الأمريكية التي أُعلن عنها عقب الاتفاقيات.
وتقول دِنت إن تعهد ترامب الأمني يجعل من قطر “قوة موازِنة في المنطقة… قوة تبدو الولايات المتحدة، على الأقل، أكثر اهتماما رسميا بحمايتها”.
أما كريغ، فيرى أن هذا التعهد “يرفع السقف أمام بقية دول الخليج”، ويشرح “قد تسعى دول أخرى الآن للحصول على ضمانات مماثلة، أو الإسراع في استراتيجياتها التحوطية وترتيباتها الدفاعية الإقليمية”.