بين مطرقة ترامب وسندان اليمين.. خطة السلام تربك حسابات نتنياهو

لم يكن نتنياهو يتوقع أن تتحول خطة السلام التي تلقاها من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى عبء سياسي واستراتيجي يربك حساباته الداخلية والخارجية.

فقد بدت له في البداية كفرصة ذهبية لتحقيق نصر كامل على حركة حماس، لكنها سرعان ما تحولت إلى اختبار معقد يهدد بتفجير توازنات ائتلافه الحاكم ويضعه في مواجهة ضغوط دولية متصاعدة وغضب داخلي متنامي.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، فقد وضعت واشنطن خطة سلام مشروطة، تفرض على حماس إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين خلال 72 ساعة، وإلقاء سلاحها، والتخلى عن أي دور في مستقبل غزة، وإلا فستمنح إسرائيل تفويضاً كاملاً لمواصلة عملياتها العسكرية حتى القضاء على الحركة.
لكن رد حماس جاء ضبابياً، إذ أعلنت استعدادها لإطلاق سراح الرهائن من دون تحديد موعد، متمسكة بحقها في مناقشة التفاصيل ومتجنبة الحديث عن نزع السلاح.

هذا الرد فُسّر في واشنطن وتل أبيب بطرق متباينة؛ فبينما اعتبره السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام “رفضاً مبطناً”، وصفه السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة مايكل هرتسوغ بأنه “لا مغلفة بنعم”.

أما ترامب، ففاجأ الجميع حين اعتبر بيان حماس بمثابة موافقة على خطته، ودعا إسرائيل علناً إلى وقف فوري للقصف من أجل إطلاق سراح الرهائن بأمان.

وفي إسرائيل، ساد الارتباك لساعات طويلة قبل أن يصدر مكتب نتنياهو بياناً مقتضباً فجراً، أعلن فيه استعداد الحكومة “للإفراج الفوري عن جميع الرهائن”، لكنه تجاهل تماماً شروط حماس، مكتفياً بالتأكيد على التزام إسرائيل بالتعاون مع البيت الأبيض لإنهاء الحرب بما يتماشى مع رؤية ترامب ومبادئ الأمن القومي الإسرائيلي.

هذا الموقف الحذر كشف عن عمق المأزق السياسي الذي يواجهه نتنياهو، إذ يجد نفسه بين ضغط أمريكي متزايد يدعو للتهدئة، ويمين إسرائيلي متشدد يطالبه بمواصلة الحرب حتى النهاية.

ويقول إيرن إيتزيون، نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، إن نتنياهو “سيجد نفسه أمام عالم يصفق لخطة السلام بينما يُطلب منه تفسير سبب معارضته لها”، مشيراً إلى أن التناقض بين نهج ترامب الرامي إلى وقف فوري لإطلاق النار ونهج نتنياهو القائم على استمرار الضغط العسكري يجعل الموقف الإسرائيلي أكثر هشاشة.

ويضيف أن التحول الأمريكي المفاجئ ألقى بظلال ثقيلة على الحكومة الإسرائيلية التي لطالما تبنت مبدأ “الردع الدائم”، معتبرة أن الحسم العسكري شرط لأي تسوية سياسية لاحقة.

في الداخل الإسرائيلي، يتفاقم التوتر داخل الائتلاف الحاكم.. فشركاء نتنياهو من اليمين المتطرف يرون في خطة ترامب تهديداً لحلمهم الأيديولوجي القديم القائم على طرد الفلسطينيين من غزة وإعادة توطين الإسرائيليين فيها.

أما الآن، فإن الخطة الأمريكية تبقي على الوجود الفلسطيني وتفتح الباب أمام دور عربي وإسلامي في إدارة القطاع وإعادة إعماره، ما يعتبره هؤلاء “تراجعاً خطيرا”.

وتوضح الباحثة في مؤسسة “راند” الأمريكية شيرا إفرون أن “الحرب بالنسبة لليمين الإسرائيلي كانت فرصة لتحقيق مشروعه الأيديولوجي، لكنها تتبخر أمام عودة الحديث عن تسوية سياسية”، مضيفة أن نتنياهو يحاول تسويق الخطة كإنجاز دبلوماسي ينهي الحرب ويعيد الرهائن بضمانة أمريكية وعربية، لكنه بذلك يخاطر بخسارة دعم حلفائه الداخليين.

ويرى محللون أن المشهد الإسرائيلي يتجه إلى أحد 3 مسارات: رفض كامل للخطة الأمريكية بما يعني مواجهة مفتوحة مع واشنطن وعزلة دولية متزايدة؛ أو قبول مشروط قد يؤدي إلى انهيار الائتلاف اليميني وفتح الباب أمام انتخابات مبكرة؛ أو اتباع سياسة المماطلة عبر إبقاء الغموض قائماً إلى حين تغيّر المزاج السياسي الأمريكي أو الإقليمي.

وفي نهاية المطاف، يجد نتنياهو نفسه في اختبار تاريخي يحدد ليس فقط مصير الحرب في غزة، بل مستقبل إسرائيل في المنطقة. فترامب يسعى لإنهاء الحرب بأي ثمن لتحقيق إنجاز دبلوماسي قبل الانتخابات الأمريكية، بينما يتمسك اليمين الإسرائيلي بخيار الحسم العسكري الكامل.

وبين المطرقة الأمريكية والسندان اليميني، يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يخوض معركته الأصعب — معركة البقاء السياسي، في وقت بدأت أوراقه القديمة في لعبة الحرب والسلام تتساقط واحدة تلو الأخرى.

 

Related posts

الإمارات وفرنسا تبحثان فرص تنمية الشراكة الاقتصادية والاستثمار السياحي

شرطة لندن تحتجز عشرات من المحتجين على حظر حركة (فلسطين أكشن)

«هواء» يُربك السماء.. أوروبا تواجه «عدوا جديدا» بعد المسيرات